مقدمة: من فيسبوك إلى ميتا، رحلة الطموح والثروة
في عالم التكنولوجيا المتسارع، حيث تتحكم الأسهم والابتكارات في مصير الثروات، برز مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة “ميتا”، كأحد أبرز أقطاب الأعمال في العصر الحديث. في أغسطس 2025، شهدت ثروته الصافية قفزة مذهلة بنسبة 12%، لتصل إلى 268.9 مليار دولار، متجاوزًا جيف بيزوس، مؤسس أمازون، ليحتل المركز الثالث في قائمة أغنى أشخاص العالم، وفقًا لتصنيف فوربس. هذا الإنجاز ليس مجرد رقم مالي، بل انعكاس لاستراتيجيات ميتا المبتكرة، ورهانات زوكربيرغ الجريئة على الذكاء الاصطناعي والميتافيرس. في هذا المقال، نستعرض رحلة زوكربيرغ الاستثنائية، وأسباب صعود ثروته، وتأثير ذلك على مشهد التكنولوجيا العالمي، مع مقارنة دقيقة بينه وبين بيزوس، وتحليل شامل لعوامل نجاح ميتا.

صعود ميتا: من منصة تواصل إلى قوة تكنولوجية عالمية
التغيير الاستراتيجي: من فيسبوك إلى ميتا
في عام 2021، أعلن زوكربيرغ تغيير اسم شركته من “فيسبوك” إلى “ميتا”، في خطوة أثارت جدلًا واسعًا. هذا التغيير لم يكن مجرد إعادة تسمية، بل كان إشارة إلى تحول جذري في رؤية الشركة نحو بناء “الميتافيرس”، العالم الافتراضي الذي يجمع بين الواقع المعزز والافتراضي. على الرغم من التشكيك الأولي، أثبتت هذه الرؤية نجاحها، حيث ارتفعت أسهم ميتا بنسبة 12% في يوم واحد في أغسطس 2025، لتصل إلى مستوى قياسي جديد بعد إعلان نتائج ربعية قوية تجاوزت توقعات وول ستريت، محققة إيرادات بلغت 47.52 مليار دولار.
استثمارات الذكاء الاصطناعي: محرك النمو الجديد
لم يكن صعود أسهم ميتا نتيجة صدفة، بل جاء مدعومًا باستثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي (AI). ركزت ميتا على تطوير نماذج لغوية متقدمة تدعم روبوتات الدردشة، مما عزز مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي. في مؤتمر ميتا كونكت 2024، أعلن زوكربيرغ أن مساعد الذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة يخدم حوالي 500 مليون مستخدم نشط شهريًا، مما يجعله في طريقه ليصبح الأكثر استخدامًا عالميًا. هذه الإنجازات عززت ثقة المستثمرين، ورفعت القيمة السوقية لميتا إلى ما يقرب من 1.8 تريليون دولار بحلول أغسطس 2025.
نظارات أوريون: طفرة الواقع المعزز
إحدى أبرز مبادرات ميتا كانت إطلاق نظارات الواقع المعزز “أوريون”، التي تم تقديمها في سبتمبر 2024. هذه النظارات، التي تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والتصميم الأنيق، مثلت خطوة كبيرة نحو تحقيق رؤية الميتافيرس. وقد ساهمت هذه الخطوة في تعزيز مكانة ميتا كلاعب رئيسي في سوق الواقع المعزز، مما أدى إلى زيادة ثقة المستثمرين وارتفاع أسهم الشركة.
مقارنة بين زوكربيرغ وبيزوس: صراع الأقطاب
جدول مقارنة: زوكربيرغ مقابل بيزوس
المعيار | مارك زوكربيرغ (ميتا) | جيف بيزوس (أمازون) |
---|---|---|
صافي الثروة (أغسطس 2025) | 268.9 مليار دولار | ~223 مليار دولار |
الشركة الأساسية | ميتا (فيسبوك، إنستغرام، واتساب، ثريدز) | أمازون |
نسبة الملكية | 13% من أسهم ميتا | ~10% من أسهم أمازون |
زيادة الثروة (2025) | +28.9 مليار دولار (يوم واحد) | +13 مليار دولار (يونيو 2025) |
القطاع الرئيسي | الذكاء الاصطناعي، الميتافيرس، التواصل الاجتماعي | التجارة الإلكترونية، الحوسبة السحابية |
الأداء السوقي (2025) | ارتفاع أسهم ميتا بنسبة 17% | ارتفاع أسهم أمازون بنسبة 7% |
الابتكارات الرئيسية | نظارات أوريون، نماذج الذكاء الاصطناعي | AWS، اللوجستيات المتقدمة |
تحليل المقارنة
تظهر المقارنة بين زوكربيرغ وبيزوس تباينًا واضحًا في استراتيجيات الشركتين. بينما تعتمد أمازون على التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية (AWS)، ركزت ميتا على الابتكار في الذكاء الاصطناعي والميتافيرس. ارتفاع أسهم ميتا بنسبة 17% في 2025، مقارنة بـ7% لأمازون، يعكس ثقة المستثمرين في رؤية زوكربيرغ طويلة الأمد.
على الرغم من ذلك، يتمتع بيزوس بتنوع أكبر في استثماراته، بما في ذلك شركة Blue Origin للفضاء، مما يقلل من تعرضه لتقلبات قطاع واحد. في المقابل، ترتبط ثروة زوكربيرغ بشكل وثيق بأداء ميتا، مما يجعلها أكثر عرضة للتقلبات ولكنه يمنحه دفعة قوية عند نجاح الشركة.
عوامل نجاح ميتا في 2025
1. الأداء المالي القوي
في الربع الثاني من 2025، أعلنت ميتا عن إيرادات بلغت 47.52 مليار دولار، متجاوزة توقعات المحللين. هذا الأداء القوي، مدعومًا بنمو الإعلانات الرقمية وتوسع منصاتها مثل إنستغرام وواتساب، عزز ثقة المستثمرين.
2. تقليص التكاليف وإعادة الهيكلة
على الرغم من الانتقادات التي واجهتها ميتا بسبب تسريح 25% من موظفيها في 2022 و2023، أثبتت هذه الخطوة فعاليتها في تحسين الكفاءة المالية. برنامج إعادة شراء الأسهم بقيمة 50 مليار دولار، وإعلان أول توزيعات أرباح فصلية، ساهما في تعزيز قيمة السهم.
3. الريادة في الذكاء الاصطناعي
استثمرت ميتا بكثافة في مراكز البيانات والقدرة الحاسوبية، مما جعلها منافسًا قويًا في سباق الذكاء الاصطناعي. هذه الاستثمارات عززت قدرات منصاتها، مثل تحسين خوارزميات التوصية على إنستغرام وفيسبوك، مما زاد من التفاعل والإيرادات.
4. الميتافيرس: من الشك إلى النجاح
بعد خسارة أكثر من 100 مليار دولار في 2022، بدا رهان زوكربيرغ على الميتافيرس محفوفًا بالمخاطر. لكن بحلول 2025، بدأت هذه الرؤية تؤتي ثمارها، مع إطلاق نظارات أوريون وتوسع ميتا في سوق الواقع المعزز.

تأثير صعود زوكربيرغ على مشهد الثروة العالمي
المنافسة مع إيلون ماسك
على الرغم من تفوق زوكربيرغ على بيزوس، لا يزال إيلون ماسك يتصدر قائمة الأثرياء بثروة تقدر بحوالي 370 مليار دولار. ومع ذلك، يرى المحللون أن زوكربيرغ، البالغ من العمر 40 عامًا، يمتلك أفقًا زمنيًا أطول لتوسيع ثروته مقارنة بماسك (53 عامًا). إذا استمر أداء ميتا القوي، قد يشكل زوكربيرغ تهديدًا حقيقيًا للقب أغنى شخص في العالم.
تأثير تقلبات السوق
ثروات أقطاب التكنولوجيا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأداء أسهمهم، مما يجعلها عرضة للتقلبات. على سبيل المثال، شهدت ميتا انخفاضًا بنسبة 14% في أسهمها في أبريل 2025 بسبب التعريفات الجمركية الأمريكية، مما قلص ثروة زوكربيرغ بأكثر من 28 مليار دولار في يومين. ومع ذلك، تمكنت الشركة من التعافي بسرعة، مما يعكس مرونتها.
العمل الخيري: مبادرة تشان زوكربيرغ
على عكس بعض الأثرياء الذين يركزون فقط على تنمية ثرواتهم، أسس زوكربيرغ وزوجته بريسيلا تشان مبادرة “Chan Zuckerberg Initiative” في 2015، متعهدين بتخصيص 99% من ثروتهما لدعم التعليم، العلوم، والعدالة الاجتماعية. هذا الالتزام يعكس رؤية زوكربيرغ لاستخدام ثروته لتحقيق تأثير إيجابي.
التحديات المستقبلية
على الرغم من النجاحات، تواجه ميتا تحديات كبيرة، بما في ذلك:
- التنظيم الحكومي: تواجه ميتا تدقيقًا متزايدًا من الحكومات بشأن الخصوصية ومكافحة الاحتكار.
- المنافسة: شركات مثل جوجل وأبل تتنافس بقوة في مجال الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز.
- الروح المعنوية: تقارير عن انخفاض الروح المعنوية بين موظفي ميتا قد تؤثر على الإنتاجية.
خاتمة: مستقبل زوكربيرغ وميتا
يُعد صعود مارك زوكربيرغ إلى المركز الثالث في قائمة أغنى أشخاص العالم شهادة على رؤيته الطموحة وقدرته على التكيف مع التحديات. من خلال استثماراته في الذكاء الاصطناعي والميتافيرس، تمكن زوكربيرغ من تحويل ميتا من منصة تواصل اجتماعي إلى قوة تكنولوجية رائدة. ومع ذلك، يظل الطريق أمامه مليئًا بالتحديات، حيث تتطلب الحفاظ على هذا النجاح التوازن بين الابتكار والاستقرار المالي. مع استمرار نمو ميتا، قد يكون زوكربيرغ على بعد خطوات من انتزاع لقب أغنى شخص في العالم، لكنه سيحتاج إلى مواصلة الابتكار والتغلب على التحديات لتحقيق ذلك.