في قلب مدينة سوسة التونسية الساحلية، حيث تلتقي التقاليد العريقة بالابتكار الحديث، تنبثق قصة نجاح تلهم العالم أجمع. شركة كيور بايونيكس، الشركة الناشئة التونسية التي أسسها المهندس محمد ضوافي، تُعد نموذجاً حياً لكيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة لتحسين حياة البشر. منذ تأسيسها في عام 2017 كمشروع طلابي، ثم تحولها إلى شركة رسمية في أوائل 2020، أصبحت كيور بايونيكس رائدة في صناعة أطراف صناعية تعمل بالذكاء الاصطناعي، مستخدمة تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والطاقة الشمسية لتقديم حلول ميسورة التكلفة وفعالة.
هذا المقال يغوص عميقاً في تفاصيل هذه الثورة التونسية، مستعرضاً تاريخ الشركة، تقنياتها المتقدمة، تأثيرها على المجتمع، والتحديات التي تواجهها، مع التركيز على دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل مستقبل الأطراف الصناعية.

مقدمة: من الحلم إلى الواقع في عالم الأطراف الصناعية
تُعتبر فقدان الأطراف من أكبر التحديات التي يواجهها ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة في الدول النامية حيث يعاني أكثر من ثلاثة أرباع الأشخاص المحتاجين إلى أطراف صناعية من عدم الوصول إليها، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. في تونس، حيث يعاني آلاف الأشخاص من إعاقات ناتجة عن الحوادث أو الأمراض، كانت الحلول التقليدية محدودة وباهظة التكلفة. هنا يأتي دور شركة كيور بايونيكس، التي أسسها محمد ضوافي، مهندس كهربائي تونسي، بعد أن شاهد عن كثب التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في بلاده. بدأ المشروع كفكرة طلابية في جامعة سوسة، حيث طور ضوافي نموذجاً أولياً ليد صناعية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد. اليوم، أصبحت الشركة نموذجاً للابتكار في مجال التكنولوجيا الطبية، معتمدة على الذكاء الاصطناعي لصنع أطراف صناعية ذكية تتجاوز الوظائف التقليدية.
يبلغ عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى أطراف صناعية في أفريقيا وحدها ملايين، وغالباً ما تكون التكاليف العالية (تصل إلى 100,000 دولار للطرازات الأوروبية) عقبة كبيرة. تقدم كيور بايونيكس حلاً بديلاً بتكلفة تتراوح بين 2,000 و3,000 دولار فقط، مع وقت إنتاج لا يتجاوز الأسبوع. هذا الابتكار ليس مجرد منتج، بل ثورة اجتماعية تعيد الأمل للأطفال والشباب، خاصة في المناطق ذات الدخل المنخفض.
تاريخ الشركة: من الفكرة الطلابية إلى الريادة العالمية
بدأت قصة كيور بايونيكس في عام 2017، عندما كان محمد ضوافي طالباً في المدرسة الوطنية للمهندسين بسوسة. شاهد ضوافي، الذي نشأ في بيئة تونسية متواضعة، كيف يعاني الأشخاص ذوو الإعاقة من نقص الخيارات المتاحة. قرر تطوير يد صناعية رخيصة وفعالة، مستخدماً تقنيات حديثة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد. في عام 2020، تحول المشروع إلى شركة ناشئة رسمية، مدعومة بجوائز من مسابقات دولية واستثمارات أولية من شركات أمريكية.
سرعان ما حققت الشركة إنجازات ملموسة. في عام 2021، أطلقت نموذجاً أولياً في تونس، وفي عام 2023، أصبحت جاهزة لإصدار نسخة عامة. اليوم، تعمل كيور بايونيكس مع شبكة من الخبراء والمستثمرين، وتشارك في برامج مثل MIT Solve ومؤسسة العلوم والتكنولوجيا الأرمنية. رغم التحديات مثل نقص التمويل الحكومي في تونس وعدم توافر بعض المكونات محلياً، استطاعت الشركة التوسع، مع خطط للتسويق في أفريقيا بأكملها. يركز ضوافي على جعل المنتجات “قريبة من المستخدمين”، من خلال تصنيع محلي وتدريب فنيين محليين لقياس الأبعاد وتركيب الأطراف.
التقنيات المتقدمة: دور الذكاء الاصطناعي في الأطراف الصناعية
يُعد الذكاء الاصطناعي العمود الفقري لمنتجات كيور بايونيكس. تستخدم الشركة برمجيات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل إشارات العضلات عبر تقنية الكهرباء العضلية (EMG)، مما يسمح بتحكم طبيعي في الأطراف دون الحاجة إلى جراحة. على سبيل المثال، في منتجها الرئيسي “هانيبال هاند” (يد هانيبال)، تكتشف المستشعرات حركات العضلات وتحولها إلى أوامر دقيقة، مثل الإمساك أو الدوران. يتيح الذكاء الاصطناعي تخصيص الأنماط الحركية بناءً على احتياجات المستخدم، مما يجعل الطرف أكثر تكيفاً مع الحياة اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، تدمج الشركة الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاج أجزاء خفيفة الوزن وقابلة للتخصيص، مثل المقابس القابلة للتعديل باستخدام نظام BOA للضغط المتساوي. الطاقة الشمسية هي ميزة أخرى بارزة؛ يمكن شحن الأطراف عبر شاحن كهروضوئي، مما يجعلها مثالية للمناطق ذات الكهرباء غير المستقرة في أفريقيا. كما تقدم الشركة تطبيق MyoLink للتدريب، ونظام واقع افتراضي (VR) يحول العلاج الطبيعي إلى ألعاب تفاعلية، حيث يتسلق المستخدمون المباني أو يلعبون ألعاباً لتعلم التحكم، مع إمكانية مراقبة الأطباء عن بعد.
هذه التقنيات تجعل الأطراف غير غازية، خفيفة (أقل من كيلوغرام)، ومتينة، مع عمر بطارية يتجاوز 24 ساعة. بالمقارنة مع الأطراف التقليدية، التي تعتمد على الآليات الميكانيكية البسيطة، توفر أطراف كيور بايونيكس ردوداً حسية (haptic feedback) تجعل الإمساك أكثر طبيعية.

المنتجات الرئيسية وتأثيرها على المستخدمين
يتركز خط إنتاج كيور بايونيكس على الأطراف العلوية، خاصة للأطفال فوق سن 8 سنوات والشباب. “هانيبال هاند” هو النجم البارز: يد بيونيكية متعددة الإمساك، مع إبهام ميكانيكي، أصابع قابلة للانحناء، ومعصم يدور جانبياً. يمكن تخصيصها بلون الجلد الواقعي أو كإكسسوارات أزياء، وتتكون من أجزاء قابلة للاستبدال مثل قطع الليغو، مما يقلل التكاليف عند النمو أو التلف.
تأثير هذه المنتجات عميق؛ في تونس، ساعدت الأطراف أطفالاً على العودة إلى المدرسة واللعب، مما يقلل من الوصمة الاجتماعية. في أفريقيا، حيث يعاني الملايين من الفقر، توفر كيور بايونيكس حلاً اقتصادياً يعزز الاستقلال. شهادات المستخدمين، مثل فتاة تبلغ 15 عاماً في فيديو ترويجي، تبرز كيف أعادت هذه الأطراف الثقة بالنفس.
التحديات والحلول: مقارنة شاملة بين التقنيات
رغم النجاحات، تواجه كيور بايونيكس تحديات مثل نقص التمويل والاعتماد على استيراد المكونات. ومع ذلك، تتجاوزها من خلال الابتكار المحلي والشراكات الدولية.
لتوضيح الفروقات، إليك جدول مقارنة شامل بين تقنيات الأطراف الصناعية التقليدية والحديثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في سياق كيور بايونيكس:
المعيار | الأطراف الصناعية التقليدية | الأطراف الصناعية الذكية (كيور بايونيكس) |
---|---|---|
التكلفة | 50,000 – 100,000 دولار | 2,000 – 3,000 دولار |
وقت الإنتاج | أشهر | أسبوع |
التحكم | ميكانيكي يدوي | بالعضلات عبر EMG وذكاء اصطناعي |
الطاقة | بطاريات تقليدية | شمسية وطويلة العمر (أكثر من 24 ساعة) |
التخصيص | محدود | كامل باستخدام 3D printing وVR training |
الوزن والراحة | ثقيلة، قد تتطلب جراحة | خفيفة، غير غازية، مع haptic feedback |
المتانة | متوسطة، تحتاج صيانة دورية | عالية، أجزاء قابلة للاستبدال |
هذه المقارنة تبرز كيف يحول الذكاء الاصطناعي الأطراف من أدوات بسيطة إلى امتدادات ذكية للجسم.

التأثير الاجتماعي والاقتصادي: نحو مستقبل أفضل
تساهم كيور بايونيكس في مكافحة الفقر من خلال توفير فرص عمل واستقلال للمعاقين. في تونس، تعزز الشركة الاقتصاد المحلي بتدريب فنيين وإنشاء مصانع محلية. على المستوى العالمي، تلهم شركات أخرى لتبني نماذج مشابهة، خاصة في الدول النامية. كما تساعد في تقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يوفر موارد للحكومات.
خاتمة: توصيات لدعم الابتكار التونسي
في الختام، تمثل شركة كيور بايونيكس نموذجاً لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسانية. من خلال أطرافها الصناعية الذكية، أعادت الأمل لآلاف الأشخاص، محولة الإعاقة إلى قوة. ومع ذلك، يحتاج هذا الابتكار إلى دعم حكومي أكبر في تونس، مثل التمويل والتشريعات الداعمة للشركات الناشئة. نوصي بتعزيز الشراكات الدولية وزيادة الوعي بتقنيات الذكاء الاصطناعي في الطب. مع استمرار التطور، قد تصبح تونس مركزاً عالمياً للابتكار في الأطراف الصناعية، مما يعزز دورها في بناء مستقبل أكثر شمولاً.